“ترجمة” .. نقطة التحول الحقيقية في اليمن لم تأت بعد
يمنات – خاص
ترجمة خاصة بـ”يمنات”
قد يكون رحيل صالح هو بمثابة نهاية الحوثيين أو سحابة صيف. ويتوقف مستقبل مسار الصراع اليمني على ما إذا كان الحوثيون سينتصرون بدونه وكيف.
كيرت رانوتا و ميريام إيب
لقد شهدت اليمن عدداً من “نقاط التحول” طوال ثلاثة السنوات الأخيرة من الحرب. بيد أن الكثير منها لم تكن حقيقية. وكان إعلان الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن ارتداده عن تحالفه مع الحوثيين غرة ديسمبر يؤشر إلى مثل هكذا نقطتي تحول. ولسوء الحظ، فلو أن صالح كان قد فسخ تحالفه معهم وبقى حياً لربما كان التحول أعظم من ذلك كثير. خصوصاً فيما لو أن مساره هذا قد أمكن بتحويل مجرى الصراع بشكل بارز وأصبح نقطة تحول حقيقية.
و بلا ريب فإن صالح كان شخصية ذات نفوذ في السياسة اليمنية و ليس واضحاً ما إذا كان أحد أولاده قادراً على أن يقوم بمقامه بالشكل المطلوب. و كان رحيل صالح بمثابة ضربة قوية بالنسبة للتحالف الذي تقوده السعودية والذي ظل يقود تدخلاً عسكرياً في اليمن مذ مارس 2015. و كان يجد أن انشقاق صالح عن الحوثيين بمثابة إنجاز محوري يمكن أن يتيح لهم سبيلاً مجدياً للخروج من اليمن.
كما أنه من غير الواضح بالمقابل فيما إذا كان رحيله يمثل نقطة تحول. و هذا لا يزال يعتمد بشكل كبير على حلفاء صالح السابقين من الحوثيين وعلى الكيفية التي يعون بها مستقبلهم الاستراتيجي والتكتيكي. فمن ناحية، فإن انهيار التحالف فيما بينهما يؤثر على القدرات العسكرية للحوثيين ونطاق سيطرتهم بما أن اغتيال صالح خلق عدواً إضافياً لهم من قبل كثير من مؤيديه اللذين يساندون حالياً إنهاء تحالفهم مع الحوثيين.
و من ناحية أخرى، فإن الحوثيين لا يزال لديهم أصدقاء وما يزالون يحصلون على إسناد خارجي من إيران.
و مع قيام روسيا بنقل سفارتها من صنعاء إلى الرياض مؤخراً، والتي كانت من بين آخر البعثات الديبلوماسية المرابطة في صنعاء بسبب “تدهور الوضع الأمني”، بالإضافة إلى تعهد نجل صالح بتدمير الحوثيين، يبدو أن صنارة الحبك تشير بشكل أكبر إلى استمرار الحرب أكثر منها إلى إيجاد حل سياسي. ولكن لما كانت الصراعات متسمة بالصعوبة والتقلب، الصراعات اليمنية بطابع خاصة، فإنه بات من غير المستحيل أن يكون رحيل صالح في الواقع نقطة تحول تساعد على المضي نحو إيجاد حل بدلا من أن تمثل مجرد سبب آخر لاستمرار القتال. إذا ماذا سيحدث بعد ذلك..؟
سيكون أسوأ سيناريو هو مواصلة السعي نحو الخيار العسكري، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تزايد العنف وتكثيف الحملة العسكرية على الحوثيين عوضاً عن المضي قدما في مسار سياسي.
و من العوامل المهمة في هذا المقام هو خلَف صالح، وهو ابنه في المنفى أحمد علي، الذي يظهر أنه البديل المفضل والمحتمل لوالده. وكانت الأنباء الواردة حول رفع الإقامة الجبرية عليه في الإمارات العربية المتحدة وحول سفره الأخير إلى الرياض يوحي بأنه ينال بالمثل تأييد التحالف الذي تقوده السعودية.
بيد أنه من غير الواضح ما إذا كانت الخطة ستعيده بمهمة عسكرية وتستفيد من موقفه كبديل لـ”صالح” مواصلة للسعي إلى حل سياسي، أو لحل عسكري وسياسي معاً.
و تعكس ردة فعل أحمد علي على قتل والده الإمكانية لاستجابة أكثر صلابة. حيث تعهد بأن “يقود المعركة حتى يجري طرد آخر حوثي من اليمن” ملقياً باللائمة على إيران.
و يستجيب موقفه هذا موقف التحالف الذي تقوده السعودية والذي يعتبر الصراع جزءا من جهود أوسع نطاقا لدحر النفوذ الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط والحد منه.
و علاوة على ذلك، فإن المؤشرات الخفية وراء دعوات الرئيس دونالد ترامب إلى الحكومة السعودية بتخفيف الأزمة الإنسانية تدل على أن الإدارة الجديدة تتشاطر نفس الأولوية السعودية في مواجهة إيران، وبالمثل تنظر إدارة ترامب إلى اليمن كمسرح مفصلي للقيام بهكذا مجابهة.
كما أن الولايات المتحدة قد ضمت صوتها إلى السعوديين في انتقادها لدعم طهران للحوثيين، فعلى سبيل المثال وصف التحالف السعودي إطلاقهم للصاروخ، الذي جرى اعتراضه، على الرياض في الرابع من نوفمبر بأنه “عمل حربي” من جانب إيران، في حين دعا نيكي هالي المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحد لمحاسبة طهران على تزويدها لهم بالصواريخ والمعرفة المتعلقة بها. ومن شأن استخدام لغة الرطانة تلك أن تسوغ لمواصلة الحرب.
ستزداد إمكانية المضي في هذا المسار إذا تسبب تفكك تحالف صالح – الحوثي بأن يدفع بالأخير للتوجه أكثر نحو إيران بوصفها حليفته المتبقي الوحيدة. و على الرغم من أن الجماعة لا يمكن اعتبارها (حتى الآن) وكيلا إيرانيا، فإن زيادة الاعتماد على طهران من شأنه أن يقربها من هذا الدور، والأهم من ذلك أنه من شأنه أن يسهم في هذا التصور، بغض النظر عن مدى صحته.
و نتيجة لذلك، وعلى النقيض من انفتاح نافذة أمل بأن يؤدي تخلي جماعة صالح عن الحوثيين إلى حل، فإن رحيل صالح قد يكون ببساطة سبباً آخراً للاستمرار في المسار العسكري للتصدي للتوسعية الإيرانية عن طريق إتاحة اليمن لأن يظل مسرحا للصراع للمتنافسين الإقليميين.
كما ينبغي عدم الاستهانة بقدرات الحوثيين: فالصراع الذي يناهز ثلاث سنوات يدلل على قدرة الجماعة على البقاء بغض النظر عن قوامها وما لديها من تقانة أقل تقدما.
كما أن الانسحاب الدبلوماسي لروسيا من صنعاء من شأنه أن يوحي بأن الأطراف الخارجية تتوقع تصاعداً في العنف كنتيجة محتملة للأحداث الأخيرة.
غير أن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يجعل استمرار الصراع أمرا معقولا. تشير التقارير إلى أن الحوثيين يسعون إلى إعادة تشكيل تحالف مع حزب صالح، المؤتمر الشعبي العام.
و من شأن ذلك أن يؤدي إلى تفكك قوى المؤتمر الشعبي العام، وفي حال نجاحه، فمن شأنه أن يحد من خسائر الحوثيين من حيث قواهم البشرية وحلفائهم، وفي الأثناء من شأنها أيضاَ تقليص سيطرة أي قوات موالية للمملكة العربية السعودية بقيادة احمد علي.
كما أن الإفادات الإضافية الواردة عن حالات قتل واعتقال من جانب الحوثيين لرموز كبيرة موالية لصالح تعني أيضاً عن التشتت في قيادة المؤتمر الشعبي العام، الذي قد يمثل محاولة من جانب الحوثيين لإظهار القوة في مواجهة الضعف الذي يرونه في حليفهم السابق وربما يسعون إلى حد معاودة توحيد تحالفهم بالمؤتمر بالقوة.
غير أنه إذا فشل الحوثيون في إنقاذ تحالفهم مع المؤتمر الشعبي العام ورأوا أن الدعم الإيراني غير كاف، فإن أفضل سيناريو في هذه الحالة قد يتمثل في توظيف نجاحات عسكرية قصيرة الأجل مثل استعاده أي أراض خسروها في صنعاء كوسيلة لتحسين قوتهم التفاوضية قبل الموافقة على المحادثات.
سيكون هذا الأمر مهماً بما أن أي حل سياسي معقول من المحتمل أن يضعف مكانتها الحالية بشدة. فأعدادهم القليلة لا تبرر على سبيل الاستشهاد بالمكاسب الكبيرة على الأرض الواقعة تحت قبضتهم، لا و لا السيطرة على الحكومة التي يتمتعون بها حالياً، بالنظر إلى التقديرات تصنف تعداد الزيدية المتفرعة عن الشيعة بنحو 25-35 في المئة من السكان، و الحوثيين ما هم إلا مجموعة فرعية من هذه الطائفة.
و بعبارة أخرى، بالرغم من أن الحل السياسي هو أفضل سيناريو للتحالف بقيادة السعودية وللشعب اليمني بالتأكيد، فإن الحوثيين قد لا يتصورون أن إيجاد حل عبر التفاوض من شأنه أن يلبي مصالحهم الفضلى. و إن كانت هناك مزاعم تاريخية تُساق من أنهم تعرضوا للتهميش والتمييز، فقد سبق لهم أيضا أن رفضوا في مناسبات عديدة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 الذي يدعو فيما يدعو إلى انسحاب الحوثيين من الأراضي التي استولوا عليها.
و حتى لو كان الحوثيون والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف الذي تقوده السعودية، جميعهم، موافقين على التوجه إلى طاولة المفاوضات، فإن ذلك سيكون مجرد خطوة أولي وليس بضمان لأي نجاح، ويمكن أن يكون شاهد على ذلك فشل مفاوضات متعددة ماضية وفشل وقف إطلاق النار.
كما سيلعب هنا مدى اعتماد الحوثيين على إيران، حيث يدعي رئيس الوزراء اليمني احمد بن دغر أن “الموافقة الإيرانية” ستكون ضرورية للتوصل إلى حل سياسي دائم، وأن احتفال طهران برحيل صالح علامة على أن الحوثيين “سوف يخرجون منتصرين في نهاية المطاف”.
و بما أن كلا الجانبين بحاجة إلى “الفوز” فإن الخاسر الأكبر سيظل هو الشعب اليمني والمنتصر الأكبر هو طهران الذي تمكن بتكلفة محدودة من الزج بمنافسه الإقليمي في صراع طويل ومُكلف حيث أن نقاط التحول الحقيقية قليلة ومتباعدة.
و لكي يتجه المد بالفعل إلى اتجاه الحل، فإن أحد الطرفين أو كليهما بحاجة لأن يتصور/ا أن الخيار العسكري لم يعد صالحاً أو حتى مفضلاً.
و يبدو أقل وضوحا من أين ستتأتى هذه النتيجة هل من التحالفات المفككة، أم من الضغط الدولي المتزايد، أم من إنهاك حرب تبدو بلا نهاية.
————-
– ترأس مريام الفريق العالمي للمحللين في لو بيك الدولية، وهي شركة استشارية في إدارة المخاطر والأمن ومقرها في الخليج.
– كييرات رانيتا محللة متدربة في الأمني الإقليمي و تعمل أيضا في لو بيك الدولية.
المصدر:
رابط المقالة باللغة الانجليزية انقر هنا
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا